كود اعلان

مساحة اعلانية احترافية

آخر المواضيع

من يربي أبناءنا فعلًا؟ نحن أم المجتمع؟

سلوك ابنك: هل هو نتيجة تربيتك أم تربية المجتمع؟

سلوك ابنك: هل هو نتيجة تربيتك أم تربية المجتمع؟

كانت مريم تعيش أجمل أيامها بعدما انتقلت مع زوجها إلى بلد أوروبي، تظنه بوابة الحلم الذي سيوفر لها عيشًا كريمًا ومستقبلًا أفضل لطفلها.

في صباح بارد، كانت ترتب حقيبة ابنها آدم قبل ذهابه إلى مدرسته الدولية الجديدة. بلد جديد، لغة جديدة، ثقافة مختلفة تمامًا عمّا عرفته من قبل. كانت مريم تعتقد أن التربية تعني أن تضمن له أفضل تعليم، وأن تحميه من الفقر، وأن تفتح له أبواب النجاح.

لكن ذلك الحلم بدأ يتزعزع يومًا بعد يوم، كلما عاد ابنها الصغير من المدرسة يحمل سؤالًا جديدًا:

"ماما، لماذا لا يقبّل أصدقائي أيدي أمهاتهم؟"
"ولماذا كل البنات يلبسن قصيرًا؟ ألا يشعرن بالخجل؟"
"لماذا لا نحتفل بعيد الحب مثلهم؟ كل أصدقائي يتبادلون الهدايا، حتى الأولاد مع الأولاد."
ثم جاء السؤال الذي زلزل قلبها:
"ماما، هل يمكن أن يكون للطفل أبوين من نفس الجنس؟ صديقي يقول إن لديه أبوين… لكنهما رجلان!"

كانت تحاول أحيانًا أن تجيبه بما تعرفه، وأحيانًا تظل صامتة تحدّق في عينيه، ولسان حالها يقول: "أنا أيضًا أبحث عن إجابة."

وفي تلك الليلة، جلست مريم في حيرة تتأمل وجه طفلها البريء وعينيه المليئتين بالفضول، وبدأ سؤال أكبر يطرق عقلها:

من يربي ابني حقًا؟ أنا؟ أم المدرسة؟ أم المجتمع؟ أم أن مفهوم التربية الذي نشأت عليه لم يعد يصلح لهذا الزمن؟

أمضت ليلتها بين التفكير والقلق: ما هي التربية الصحيحة؟ هل التعليم الجيد وحده يكفي؟ هل تحسين ظروفنا المعيشية يستحق أن يكون على حساب القيم والمبادئ التي أريد أن أغرسها في ابني؟

ما هي التربية الصحيحة؟

عندما نسأل: "ما هي التربية الصحيحة؟" غالبًا ما نربط الجواب بما نشأنا عليه نحن، وبما ورثناه من أهلنا ومجتمعنا. لكن الحقيقة أن التربية ليست وصفة جاهزة تطبق على كل الناس، بل هي مزيج معقد من القيم والعادات والثقافة والدين. ولو سألت أي شخص في العالم: "هل ربيت أبناءك تربية حسنة؟" سيجيبك بثقة: "نعم، أحسنت تربيتهم." لا يهم إن كان مثقفًا أو أميًا، عصريًا أو تقليديًا، بل حتى لو كان مدمن خمر سيقول لك: "أنا ربيت أولادي أحسن تربية."

نحن جميعًا نتفق على أن أي سلوك سيّء سببه "سوء التربية"، لكننا نختلف تمامًا على تعريف "التربية الجيدة". فعندما نرى طفلًا تصرف بشكل غير لائق، نحكم فورًا أن والديه قصّرا في تربيته، رغم أن ما نعتبره نحن خطأً قد يراه غيرنا أمرًا عاديًا أو حتى صحيحًا.

كيف نعرف أن تربيتنا صحيحة؟

إذا أردنا أن نصل إلى التربية الصحيحة حقًّا، فعلينا أن نبحث عنها عند من لا يخطئ، ولن نجد هذا إلا عند ربنا سبحانه وتعالى. فهو الذي خلقنا ويعلم ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. أما نحن البشر، فنخطئ ونغيّر آراءنا كل يوم؛ ما نراه اليوم صوابًا قد نكتشف بعد سنوات أنه خطأ — إن اكتشفناه أصلًا — لكن بعد فوات الأوان. فلماذا نجعل أطفالنا حقول تجارب لأفكار متغيرة؟ لماذا لا نعود إلى الوصفة الإلهية التي لا تخطئ؟

المنهج الإلهي للتربية

عندما يصنع الإنسان آلة أو دواء، يضع معها كتاب تعليمات يشرح طريقة الاستعمال والتحذيرات والمخاطر. نتّبع تلك التعليمات بدقة لأننا نعلم أن الصانع أعلم منّا بما صنعه. فكيف بنا نثق بتعليمات صانع آلة أو دواء، ثم نهمل تعليمات خالقنا الذي قال في كتابه:

"أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" (الملك: 14)

الله سبحانه وتعالى لم يتركنا هملاً، بل أنزل إلينا كتابًا كاملًا هو القرآن الكريم، فيه التوجيهات والإرشادات لما يصلح حياتنا ويحقق سعادتنا، وأرسل إلينا رسولاً قال عنه:

"إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ" (رواه مالك)

الخلاصة

فالتربية الصحيحة ليست مجرد توفير مدارس جيدة أو حماية من الفقر، بل هي أن نربي أبناءنا على ما أمر الله به، نعلّمهم دينهم وقيمهم قبل أن نعلمهم لغات العالم، ونزرع فيهم المبادئ قبل أن نزرع في أيديهم التكنولوجيا.

إذا أردنا لأبنائنا أن ينجوا وسط هذا العالم المتغيّر، فعلينا أن نربطهم بحبل لا ينقطع: كتاب الله وسنّة نبيه. عندها فقط سنطمئن أن تربيتنا تسير في الطريق الصحيح، مهما تغيّرت الثقافات أو تبدّلت العادات.


✍️ بقلم: سعيد

💬 لا تنسَ أن تشاركنا رأيك في التعليقات، فمشاركتك تثري النقاش وتلهمنا لمزيد من المقالات الهادفة.

© جميع الحقوق محفوظة لموقع نسيم الروح 🕊️

إرسال تعليق

0 تعليقات

مساحة اعلانية احترافية
مساحة اعلانية احترافية
مساحة اعلانية احترافية