قصة البركة كلها حكم و فوائد في زمنٍ تقاس فيه القيم بالأرقام، وتوزن الأرواح بالميزان الاقتصادي، قد يغيب عن أذهاننا شيء صغير في حجمه، عظيم في أثره... البركة.
هذه القصة ليست فقط حوارًا بين أب وابنه، بل بين جيلين:
جيلٍ تعلّم في الجامعات، وجيلٍ تعلّم من الحياة والقرآن.
اقرأ هذه القصة بقلبك، قبل أن تقرأها بعينيك...
كان لرجلٍ ابنٌ شاب، أنفق عليه الكثير من المال ليدرس في أرقى الجامعات في الخارج.
وعندما تخرّج الابن، عاد إلى بلده ليعمل ويُساعد والده في إدارة شركته.
تولى الابن قسم المحاسبة، وهو نفس التخصص الذي درسه، وبعد شهرٍ من العمل، دخل على والده قائلاً:
ــ يا أبي، بعد مراجعتي لحسابات الشركة، وجدت أن جزءًا من ميزانية الشركة يُصرف سنويًا للعمّال دون مقابل!
قالها الابن باستغراب:
ــ لا أفهم، أليسوا يتقاضون رواتبهم كل شهر؟
ابتسم الأب بهدوء، وقال:
ــ بلى، يتقاضون رواتبهم.
فقال الابن مستنكرًا:
ــ إذًا لماذا تُعطيهم هذا المبلغ الإضافي كل سنة؟!
قال الأب وهو يبتسم:
ــ هذه يا بُني "الزكاة".
ضحك الابن باستهزاء وقال:
ــ الزكاة؟ وما الفائدة منها؟ إنها لا تجلب إلا الخسارة، إنها تبديدٌ للمال!
فقال الأب وهو ما زال محتفظًا بهدوئه:
ــ لا يا بُني، الزكاة تحفظ المال، "ما نقص مالٌ من صدقة".
تأمل الابن كلام أبيه وقال باستغراب:
ــ كيف لا ينقص المال ونحن نُخرجه؟!
أجاب الأب:
ــ بالبركة يا ولدي.
سأل الابن وقد بدا عليه الحيرة:
ــ البركة؟ وما هي البركة؟!
يا أبي، لقد درست الاقتصاد والتجارة في أفضل الجامعات الأمريكية، ولم يُذكر فيها شيء اسمه "بركة"!
ضحك الأب وقال برفق:
ــ دعني إذًا أُعلِّمك شيئًا لم تتعلمه في جامعاتك العليا.
ثم سأله:
ــ من يلد أكثر: الأغنام أم الكلاب؟
قال الابن مندهشًا من السؤال:
ــ الكلاب طبعًا، فهي تلد سبعة أو ثمانية في كل مرة، أما الأغنام فتلد واحدًا أو اثنين فقط.
وقف الأب، ووضع يده على كتف ابنه وقال:
ــ انظر حولك، من الأكثر عددًا في العالم: الأغنام أم الكلاب؟
قال الابن بتردد:
ــ الأغنام... طبعًا الأغنام.
قال الأب:
ــ أليست هي التي تنقص بذبحها في الأعياد، في المناسبات ونأكلها يوميًا، ومع ذلك لا تنقرض؟
قال الابن:
ــ بلى... هذا صحيح.
ابتسم الأب وقال بثقة وطمأنينة:
ــ هذه يا بُني هي البركة.
سكت الابن وقد بدت عليه ملامح التأمل، ثم سأل بفضول:
ــ ولماذا يا أبي خُصّت الأغنام بالبركة دون الكلاب؟
قال الأب:
ــ لأن الأغنام تنام أول الليل، وتستيقظ قبل الفجر... فتدرك وقت الرحمة، فتنزل عليها البركة.
أما الكلاب، فتنبح طوال الليل، فإذا اقترب الفجر هجعت ونامت، فيفوتها وقت الرحمة، فتنزع منها البركة.
....
ابتسم الابن بإعجاب وهو يقول لأبيه:
ليست هناك تعليقات: